قدمت على عمر امرأة , كأنما قد ركب بين كتفيها القمر , يشع من عينيها السحر , ويرشف من شفتيها الخمر , ومعها شاب قد طا ل شعره , وتشعث , وركبته الأوساخ , ولم يمسه الماء ولا يد الحلاق منذ شهور , وله لحية كشعر القنفذ , واظافر سود طوال تغثى من قذارتها عين رائيها , وعليه ثياب بالية ممزرقة ، لا يعرف لها شكل ولا لون ، وتقتل برائحتها من عشرة أمتار...
فقالت : يا أمير المؤمنين .. هذا زوجي وابن عمي ، وأنا لا أريده ففرق بيني وبينه..
قال الرجل : زوجتي يا أمير المؤمنين ، وعرسي من شهرين اثنين ، لم ترفع معالم العرس ، حتى جاءت تسأل الطلاق من غير ذنب جنيته ، ولا حدث أحدثته .
قالت : ما أساء إلي ، ولكني لا أريده.
قال عمر : تعالي غدا.
وأشار إلى غلامه ، فذهب بالرجل إلى الحلاق ، فأخذ من شعره ، وإلى الحمام فغسله وقص أظافره ، وألقى عنه هذه الأسمال البالية ، وألبسه ثيابا جديدة نظيفة ، وجاء به من الغد ، وقد خلق خلقا جديدا ، وعاد رجلا آخر ، وبدا شبابه وجماله وصحته ، فغضت المرأة بصرها عنه ، لأنها لم تعرفه ، فحسبته رجلا غريبا ، فأومأ إليه عمر أن خذ بيدها ، فلما مسها وثبت كاللبؤة الغضبى ، وتورد من الحياء والغضب وجهها ، ونترت يدها منه وقالت : ابتعد أيها الفاسق ، أتهجم علي بين يدي أمير المؤمنين ؟
فقال عمر : ويحك هذا زوجك.
فنظرت إليه محدقة كأنها لا تصدق عينيها ، وترددت لحظة ... ثم رمت بنفسها بين يديه وهي تبكي .
وانصرفا راضيين.
قال عمر : ( هكذا فاصنعوا لهن ، إنهن يحببن أن تتزينوا لهن ،كما تحبون أن يتزين لكم )
ولو أن هذه البيوت التي خربها الخصام ، ونغض عيش أهلها ، وشرد بنيها ، لو أن كل امرأة فيها لم تقابل زوجها إلا مستعدة له استعدادها لمقابلة صديقاتها ، ولم تلقه بوجه كالح ، وشعر منفوش ، وثياب وسخة ، تفوح منها روائح المطبخ ، ولو أن كل رجل لقي امرأته بمثل ما يلقى به أصحابه ، لم يقابلها بالشعر المشعث ، ولا بوجه عابس ، لعادت الحياة الزوجية مثل ( شهر العسل ) : كلها حب وود وسلام.